بيان الإليزيه حول إحياء ذكرى الأول من نوفمبر 2024، الذي يصادف الذكرى السبعين لاندلاع ثورة 1954، يعد خطوة هامة في عملية المصالحة التاريخية بين الجزائر وفرنسا. ومع ذلك، لتقييم ما إذا كان هذا البيان يمكن أن يسهم في تهدئة التوترات الحالية - والتي زادت حدتها بسبب تصريحات إيمانويل ماكرون الأخيرة في البرلمان المغربي -لذا من الضروري دراسة بعض النقاط الرئيسية.
1. أهمية رمزية البيان
إن اعتراف البيان باغتيال العربي بن مهيدي يمثل خطوة نحو الحقيقة التاريخية التي قد تخفف من بعض جراح الماضي. ورغم أن هذا الاعتراف رمزي، إلا أنه يظهر رغبة فرنسا في الاعتراف بمعاناة الجزائريين خلال حرب الاستقلال. بالنسبة للبعض في الجزائر، يمثل ذلك انفتاحاً نحو الحوار والمصالحة. ومع ذلك، فإن ثقل عقود من المشاعر السلبية والظلم المتصور يتطلب إجراءات أكثر واقعية حتى يُنظر إلى هذا التحرك بشكل إيجابي.
2. السياق الحالي للعلاقات الجزائرية-الفرنسية.
لقد شهدت العلاقات بين الجزائر وفرنسا توترات متزايدة في السنوات الأخيرة، بسبب تصريحات سياسية وخلافات حول قضايا إقليمية ودولية. التصريحات الأخيرة لماكرون في البرلمان المغربي، التي عبّر فيها عن دعم واضح للمغرب، يمكن أن تُفسرها الجزائر كموقف خطير، وربما كنوع من التدخل. إذا ما تم تفسيرها كإغفال للحساسيات الجزائرية، فقد تعقّد هذه التصريحات مساعي تطبيع العلاقات بين البلدين.
3. ردود الفعل المتوقعة من عموم الشعب والنخب الجزائرية
قد يُستقبل هذا الاعتراف التاريخي بإيجابية من قبل بعض فئات المجتمع الجزائري ونخبه، ولكنه على الأرجح لن يكون كافياً لتجاوز المشاعر السلبية المتراكمة على مدى السنوات. فالتهدئة الحقيقية تتطلب التزامات طويلة الأمد، وليس مجرد إشارات منعزلة. تتطلب كسب ثقة الشعب والقادة في الجزائر إجراءات ملموسة، احترام الذاكرة المشتركة، والتصدي لصور العنصرية المؤسسية.
4. ضرورة الحوار المستمر والإجراءات الواقعية
لضمان أن يسهم هذا البيان فعلاً في التهدئة، يجب أن يتبعه حوار منظم ومبادرات ثنائية ملموسة. يتضمن ذلك:
تعزيز العلاقات الدبلوماسية: إنشاء قنوات اتصال منتظمة وشفافة بين الحكومتين.
التعاون الاقتصادي والثقافي: إطلاق مشاريع مشتركة لتعزيز التفاهم المتبادل في المجالات الاقتصادية والتعليمية والثقافية.
التعاون في القضايا الإقليمية: التعاون في قضايا الأمن الإقليمي، مكافحة الإرهاب، والتنمية الاقتصادية، وهي مجالات تتقاطع فيها مصالح البلدين.
5. تأثير تصريحات ماكرون في البرلمان المغربي
إن دعم ماكرون للمغرب الذي أعرب عنه علنًا في البرلمان المغربي يزيد من تعقيد العلاقات مع الجزائر، خاصة فيما يتعلق بقضية الصحراء الغربية. بالنسبة للجزائر، هذا الملف أساسي ويرتبط بحقوق الشعوب في تقرير المصير، وهو مبدأ راسخ في القانون الدولي.
قد يُنظر إلى هذا الدعم الصريح للمغرب من قبل الجزائر كموقف غير متوازن من فرنسا، مما قد يزيد التوترات الدبلوماسية. لذا من الضروري أن تتبنى فرنسا مقاربة متوازنة، تحترم حساسيات البلدين وتجنب تهميش الجزائر.
6. ثقل الجالية الجزائرية في فرنسا
الجالية الجزائرية في فرنسا مستعدة للاستجابة لنداء الوطن: "حاضرون لتلبية نداء الوطن".
يشكل الملايين من الفرنسيين من أصول جزائرية بُعداً فريداً في العلاقات بين البلدين. فهؤلاء المواطنون مرتبطون بشدة ،بجذورهم الجزائرية، والكثيرون يشعرون بالإحباط إزاء سياسات تُعتبر عنصرية أو مهينة. يمكن لسياسة فرنسية أكثر شمولاً واحتراماً لهذه الهوية المزدوجة أن تعزز الروابط الثنائية وتسهم في "ذاكرة هادئة". وقد يتيح ذلك أيضاً للفرنسيين الجزائريين لعب دور بناء في العلاقة بين البلدين، ليصبحوا جسوراً للتعاون.
الخاتمة
يمثل هذا البيان خطوة في الاتجاه الصحيح لتهدئة بعض التوترات التاريخية بين الجزائر وفرنسا. ومع ذلك، فهو ليس كافياً وحده لحل الخلافات العميقة والحساسيات السياسية الحالية. لكي يكون له تأثير مستدام، يجب أن تتبنى فرنسا سياسة متسقة ومتوازنة، تحترم حساسيات الجزائريين وتأخذ في الاعتبار القضايا الإقليمية مثل الصحراء الغربية.
إن تهدئة التوترات ستتطلب مقاربة استباقية تعتمد على إجراءات ملموسة، حوار مفتوح، واحترام مبادئ القانون الدولي. وبالتالي، يجب اعتبار هذا البيان بداية لعملية المصالحة وليس حلاً وحيداً للتوترات الثنائية.
قسم الإعلام والصحافة OMSAC
Comments